نموذج لإدارة أزمة إرهابية
أزمة التايلنول ب
شركة (جونسون & جونسون) الأمريكية
رحم اللة أستاذنا، د. محمد رشاد
الحملاوى وأحد من أهم من كتب فى هذا المجال فى مصر والذى أستمد معظم ما أكتبة من كتاباتة .. وبعد.
الأزمات أصبحت جزء لا يتجزأ من نسيج الحياة المعاصرة ووقوعها أصبح من حقائق الحياه اليومية،إلا أنة عند الحديث عن إدارة الأزمات تسيطر على دائمآ مجموعة من المشاعر ما بين أسى وأسف وتعاطف ..مشاعر أسى لأشخاص يديرون مؤسسات مستهدفه ويتسببون بممارساتهم الخاطئة في حدوث أزمات كبرى تجلب الشقاء لهم ولمؤسساتهم وللبيئة المحيطة وذلك لقلة
الخبرة أو تقلد المناصب دون تهيئة أو تدريب،.. مشاعر أسف :لمن تسيطر عليهم فكرة ضرورة الاستغلال المناسب لعناصر الإنتاج البشرية والمادية والمالية دون قيود ولا يعترفون بأي خطأ ويرون انه ليس هناك ضرورة لإحداث تغييرات في مؤسساتهم – ويلقون اللوم على الآخرين – وغير قادرين على الإحساس بالغير – ولا اهتمام لديهم بالكرامة الإنسانية أو الأخلاقيات .. مشاعر تعاطف :تجاه المسئولين في منظمات مأسويه يدركون بشكل جزئي الحاجة إلى إحداث تغيير ويفتقرون إلى الوسائل
التي تمكنهم من إحداث هذا التغيير المطلوب
بسبب الإحباط والقلق الموجود لديهم، الجمود البيروقراطي والهيكلي، انهماكهم في إدارة أزماتهم الذاتية.
كما تلاحظ لدى فرق البحث الميدانى
أن غالبية المديرين لديهم معرفة بالكوارث والأزمات
التي حدثت في قطاع الصناعة
التي يعملون بها إلا أنهم لم يكن لديهم القدرة على التفكير في أن تتعرض منظماتهم لنفس هذه الأزمات أو الكوارث ,وآخرين يحاولون حماية أنفسهم والمنظمة
التي ينتمون إليها ب
طريقة خاطئة حيث يرى البعض منهم أن مجرد ذكر الأزمات
التي مرت بالمنظمة في السابق يعد إفشاء لأسرار المنظمة والبعض الآخر يرى أن تحديد المخاطر
التي تتعرض لها المنظمة يعنى أن بها نقائص وعيوب وأن القائمون عليها لا يقومون بواجبهم كما أن ذلك يعد انتقادا للمنظمة والمسئولين بها ,وفريق ثالث عند مواجهتة للأزمات الكبرى تنطلق لدية مشاعر القلق فيلجأ إلى الأساليب الدفاعية كإلقاء اللوم على الغير واتهامه بأنه سبب الأزمة أو نسبة الأزمة إلى أصابع خارجية أو ذكر البعض بأن هذه الأزمة لا عهد لأحد بمثلها من قبل أو إنها شئ لا يخطر على عقل بشر.
نعمة الأزمة ونقمتها:
الأزمة مثلما تجر معها السلبيات فإنها أيضاً تحدث الكثير من الإيجابيات ولذلك فهي نعمة ونقمة في آن واحد:
فهي نقمة علي ال
مؤسسة التي حدثت فيها من الأوجه الآتية:
1. تسفر عن خسائر كبيرة سواء فيالجانب المادي أو البشري أو المعنوي.
2. تؤدي إلي شلل الجهاز
أثناءالأزمة.
3. تؤثر علي تحقيق أهداف الجهاز بحيث ينصب الجهد إلي
كيفيةالتعامل مع ظروف الأزمة
4. تؤدي إلي اهتزاز الثقة بال
مؤسسة من قبل المتعاملين معهاوتهتز هذه الثقة أكثر بتكرار الأزمات.
5. قد تقود الأزمة إلي ما يشبه تصفية الحسابات بينالقيادات وبروز ما يسمي بكباش الفداء
6. قد تمتد أثار هذه الأزمة إلي من هم خارج ال
مؤسسة واليأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الأزمة
وفي نفس الوقت يمكن القولأنها نعمه للجهازوأنها فرصة يجب استثمارها لتعديل مسار ال
مؤسسة وبالتالي فإن لها أوجه ايجابية تجعل منها نعمة لجهازمن حيث
1. تسليط الضوء علي أوجه الخلل والقصور .
2. الإشارة إلي مواطن الضعف وأوجه النقص في الإمكانياتوبذلك يقوم الجهاز بتصحيح الأوضاع وتعديل المسار
3. .الأزمة فرصة لاكتشاف قياداتجديدة فكثيراً ما تسفر الأزمة عن بروز قيادات مغمورة وإعادة تقييم قيادات بارزة .
4. التعجيل بإحداث تغييرات في الهياكل الإدارية لل
مؤسسةوإعادة تنظيمها بالشكل الذي يؤدي إلي عدم تكراراها .
5. فتح ملفات مغلقة تمثل المشكلات الأخرى لل
مؤسسة بخلاف موضوع الأزمة ذاتها .
6. تقييم العلاقات مع الأطراف الأخرى بناءاً علي مواقفهم الايجابية أو السلبية
خلال الأزمة فالشاعر يقول
( جزي
الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي)
وفى هذا المقام أحب أن أعرض لقراء مجلة الإبتسامة الأعزاء نموذج لأزمة إرهابية حدثت ل
شركة جونسون آند جونسون للأدوية وكيف تم التعامل مع هذة الأزمة .. الأمر الذى حافظ على كيان ال
شركة من الإنهيار. وعلى النقيض سوف أعرض لاحقآ لأزمة
شركة يونيون كاربايد الأمريكية التى تعمل فى إنتاج المبيدات الحشرية فى أحد مدن الهند (بوهبال) وسوء إدارة الأزمة التى نتج
عنها موت عدة آلاف من المواطنين.
شركة جونسون أند جونسون واحدة من
أفضل مائة
شركة في
العالم ومع ذلك حين وقعت أزمة عقار التايلنول في خريف 1982 تبين أن هذه ال
شركة التي بنيت على السمعة الممتازة لمنتجاتها لا تملك خطة لإدارة أزمة وكان على مديريها آنذاك أن يتخبطوا من أجل الحصول على أسماء وأرقام التليفونات للأفراد الذين يريدون الاتصال بهم، ولكن بعد تلك الواقعة أصبح لدي كل مدير يعمل بها نسختين من دليل إدارة الأزمات إحداهما بالمكتب والثانية بالمنزل مما يعد من قبيل تصحيح الأمور بأثر رجعي.
ولنبدأ بالمشكلة:
صباح يوم 30 سبتمبر عام 1982 تلقي مدير العلاقات العامة ب
شركة جونسون أند جونسون مكالمة تليفونية
غريبة من صحفي بجريدة
"شيكاغو تريبيون
" عبارة عن أسئلة محددة عن عقار التايلنول، وعلي الفور قام بإبلاغ رئيس مجلس الإدارة بما جري وطلب منة الإذن بالاتصال بالصحفي ومحاولة معرفة ما يدور.
أبلغه الصحفي أن هناك تحليل طبي لمعدة شخص توفي وأثبت وجود علاقة بين وفاته و
تناوله لعقار التايلنول، .. تم عقد اجتماع فورى لمجلس إدارة ال
شركة لدراسة ما يثيره هذا الصحفي من شائعات حول هذا العقار الآمن جداً بعد إجراء كل الدراسات عليه.
وكان القرار سريعاً بما أن ال
معلومات قليلة ومشوشة فلننتقل لل
مركز الرئيسي في
"فورت واشنطن
" بولاية بنسلفانيا عن طريق مروحية .. وبعد مرور تسعين دقيقة كان المسئولون أمام أكثر الجرائم إثارة في عالم الأعمال فلأول مرة يقتحم الإرهاب البيوت الأمريكية، فقد كانت ال
معلومات المتوافرة تفيد بأن هناك شخص ما، ربما يكون مختل عقلياً قام باستبدال كبسولات التايلنول بكبسولات معبأة بمادة السيانيد شديدة السمية ثم أعاد تغليف العبوات وتم وضعها على أرفف ست صيدليات ومتاجر أغذية في منطقة شيكاغو مما ترتب عليه وفاة سبعة أشخاص من جراء
تناول العقار، ووجدت ال
شركة نفسها في موقف لا تحسد عليه حيث أصبح لزاماً عليها أن تشرح للعالم لماذا تتسبب منتجاتها في قتل الناس؟
وعلى الرغم من أن ال
شركة لم تخطط لهذا النوع من الأزمات، ربما لأنه لم يخطر على بال أي إنسان أن يقوم واحد من الناس بالعبث بالمنتج فلقد وصفت
شركة جونسون بأنها أدارت الأزمة على
أفضل وجه.
ولننظر إلي ما قامت به
شركة جونسون أند جونسون
خلال التسعون دقيقة الأولي:-
1- لم تضيع ال
شركة أي وقت وقامت بالتحرك للمكان المؤكد فيه المعلومة.
2- عينت أحد كبار المديرين كمدير للأزمة وأخلته من جميع مسئولياته الأخرى.
3- توجه مدير الأزمة إلي موقع الأحداث ومعه كافة طرق الاتصال بكل من يريد.
4- وجهت معه خبير علاقات عامة ليحمل عنه عبء الرد على الصحافة والتليفزيون.
5- اختير الأشخاص من منطقة شيكاغو حتى تكون حركتهم أسرع و
معلوماتهم عن كل الأماكن
التي سيتعاملون معها مؤكدة.
6- قبل استقلالهم للطائرة قاموا بالاتصال بمحامي وطلبوا منه الحصول على كل ال
معلومات المتوافرة من مكتب التحقيق ومن أي مصدر آخر يثق به.
7-
أثناء ركوب الطائرة قام مدير الأزمة بوضع تصور على الورق ل
أسبابها كالتالي:-
أ- حدوث خطأ من العيار الثقيل داخل المصنع.
ب- تعرض المصنع للتخريب من الداخل (من
العاملين به).
8- صاغ ثلاثة أهداف ذات أولوية.
أ- إيقاف
عملية القتل.
ب- تحديد
أسباب القتل.
ج- تقديم المساعدات للمتضررين.
ولإيقاف القتل ولأن السبب غير معروف والذى قد يكون .. (خلل ماكينات- تخريب من عنصر داخلي...) فقد تم إيقاف خط الإنتاج فوراً والبدء في تحديد السبب من الداخل.
وحينما تم التأكد من سلامة المصنع (آلات وأفراد) .. وظهر بعد ثلاثة أيام أيام أن المنتج تم شحنه بعد تغليفه جيداً وأن العبث بالمنتج كان لقوي خارجية- تم تشغيل خط الإنتاج مرة أخري وبدأت
عملية البحث عن القاتل بمساعدة الأجهزة المعنية وأصبحت هذه مسئولية مكتب التحقيقات
إلا أن ال
شركة واجهت مشكلة خطيرة أخري فحتى هذه اللحظة لم يكن الإعلام قد تداول القضية وذلك لوجود اتفاق بين ال
شركة والصحفي بألا ينشر حتى لا يحدث ذعر بين الناس، ولكن لأن صحفي آخر علم بالموضوع بدأ النشر وهنا إنتشر الخوف بسرعة الصاروخ بين الشعب الأمريكي أولاً ثم إلي الدائرة
العالمية ثانياً وذلك لأن هذه ال
شركة تخدم عملاءها من المهد إلي اللحد فهي تنتج:
منتجات
الأطفال / حبوب منع
الحمل / الضمادات / أدوات الجراحة الدقيقة / فرش الأسنان /أجهزة الجراحة بالليزر / متطلبات غرف الولادة.... الخ.
والآن فإن أحد أشهر منتجاتها وهو عقار التايلنول المزيل للصداع والذي تمثل مبيعاته 30% من إجمالي حجم السوق أصبح منتجاً يقتل الناس.
9- انتقلت الأزمة إلي غرفة العمليات لل
شركة لترد على الاتهامات بعدما عُرف بأن القتل عن طريق السيانيد، وكان من المعروف أن ال
شركة لديها مخزون محدود من هذا السُم وأنه تحت التحكم الكامل في نقله وحفظه واستهلاكه وبدأ الرد بهذه ال
معلومات وب
طريقة تطمئن ولا تزيد ذعر الناس والتزمت وسائل الإعلام بالأسلوب الهادئ الذي يحقق السيطرة على الأزمة.
10- تم نشر نتائج التحقيقات و
التي أثبتت أن العبث بالمنتج تم بعد إرساله للصيدليات وليس قبل خروجه من المصنع.
11- أفاد مكتب التحقيقات ببلاغات من الصيدليات
التي حدثت بها المشكلة بأوصاف شخص معين قام بشراء التايلنول ثم أعاده مرة أخري مغلفاً كما هو وتطابق الشكل من جميع الصيدليات.
12- هنا خصصت ال
شركة خطاً ساخناً لتلقي أي بلاغات أو استفسارات حتى لا تهتز ثقة العميل بمنجاتها وخصوصاً التايلنول وتلقت عليه أكثر من 30.000 مكالمة تليفونية.
13- قامت ال
شركة بعمل إعلان على صفحة كاملة يتيح لكل من لديه كبسولات تايلنول أن يستبدلها بالأقراص
التي لا يمكن العبث بها وتم سحب المنتج من السوق تماماً يوم 5 أكتوبر.
14- توجه مدير الأزمة إلي المصنع وجمع جميع
العاملين وألقي فيهم كلمة طمأنهم على مستقبل ال
شركة والمنتج.
15- تم عمل استطلاع للرأي عن مدى الثقة بالمنتج بعدما حدث وتم التأكد من تمسك العميل بالمنتج.
16- بلغت تكلفة سحب التايلنول من الأسواق مائة مليون دولار ووجدت بين العينات المسحوبة اثنتان فقط تحتويان على السم.
17- بدأت هيئة FDA (الأغذية والعقاقير) ولجان التحقيق بالكونجرس حملة لإجبار شركات ال
دواء على إنتاج كبسولات تقاوم العبث أو التلف وقامت الشركات بما فيها جونسون أند جونسون بالتنفيذ.
18- في 2 أكتوبر عام 1982 تلقت ال
شركة خطاب ابتزاز من مجهول يهدد بالاستمرار بالعبث في العقار ما لم تدفع ال
شركة مبلغ مليون دولار.
19- تم البحث بين المفصولين من ال
شركة كما تمت مراقبة بعض العمال المتذمرين وقد أدي نشر خطاب الابتزاز إلي تعاطف المجتمع مع ال
شركة وأوضح أنها ضحية لتخريب متعمد.
20- بينما كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يبحث عن الجاني استمرت ال
شركة في إدارة الأزمة حيث اتخذت قرارات بشأن
كيفية إعادة التعبئة وتوقيت إعادة تقديم المنتج للأسواق.
21- في 11 نوفمبر تم عمل مؤتمر صحفي عالمي وتم تقديم عبوات مبتكره ثلاثية الغلق لا يمكن العبث بها كما تم عمل إعلان مدته دقيقة واحدة في شهري أكتوبر ونوفمبر أخطر المستهلكين بقرب عودة التايلنول للأسواق- وتمت عدة مقابلات صحفية وتلفزيونية في برامج شهيرة لمديري
شركة جونسون أند جونسون.
22- وفي مؤتمر صحفي يوم 11 نوفمبر أعلن رئيس مجلس إدارة ال
شركة أن كل مواطن يشتري أي من منتجات التايلنول سوف يحصل على كوبون بدولارين ونصف كما أنه يمكن الحصول عليه عن طريق الخط الساخن ودليل نجاح ذلك أن ال
شركة تلقت 210.000 مكالمة.
23- وفي ظرف عشرة أسابيع من سحب التايلنول عادة للأسواق واستعادت مبيعاته 98% مما كان يحققه قبل الأزمة بمساعدة
الحملة الإعلانية الفريدة
التي أشرنا إليها.
في النهاية يمكننا القول أن حادثة التايلنول لقنت ال
شركة درساً بالغاً حيث لم تكن مستعدة بخطة مكتوبة لمواجهة الأزمة ولكن أصبح لديها خطة لإدارة الأزمات عموماً ومن المؤكد أنها ستوفر لل
شركة ظروف
أفضل إذا ما تعرضت لأي أزمة أخري مستقبلاً.
وأخيرآ .. أختم مقالى هذا برجاء لكل صاحب قرار أو مشارك فى إتخاذة
بإستيعاب ما تم إتخاذة من إجراءات لمواجهة الأزمة السابق ذكرها
الأمر الذى ساهم كثيرآ فى الحد من آثارها وإستمرارية نشاط ال
شركة
مع خالص التحية والإحترام لقراء مجلة الإبتسامة الأعزاء
بوهديمة